عندما ننام كل ليلة ونصل إلى مرحلة النوم العميق ،وترتجف أجفاننا بقوة،وبسرعة كبيرة ،فنكون دخلنا عالم الأحلام المثير،فقد تعكس التجارب اليومية التى مر بها الإنسان فى الماضي سواء أحداث سارة أو أحداث مؤسفة،أو يرى رؤيا صالحة تحقق له البشارة والخير،أو كوابيس متكررة تسلب راحة البال والنوم الهانئ.
وقد اهتم علماء النفس بالأحلام ،وتوصلوا أن الأنسان لا يستطيع أن يعيش بدون أحلام لسببين الأول :لأنها نشاط دماغى يصدر عنه تيارات كهربائية مصاحبة حركات سريعة للعينين..وزيادة نبضات القلب وتسارع فى التنفس ،مما يؤدى إلى حدوث صور بصرية يراها الحالم،والثاني: معاونة النائم على الاستمرار فى نومه فيجنبه ما يحتمل أن يزعجه من منبهات خارجية أو الضوضاء التى تحيط به.
وقد برع العالم (سيجموند فرويد) فى مجال الأحلام وربطها بالجنس،وفسر أن الأحلام عبارة عن ظاهرة تكشف صراعات جنسية أو رغبات مكبوتة منذ مرحلة الطفولة ،تظهر للحالم كوسيلة لتحقيق رغبته وإرضاء دوافعه ،إرضاء وهمى خيالى.
والأحلام فى الدين الإسلامى، قسمها الرسول(صلى الله عليه وسلم)إلى ثلاثة أنواع:الرؤيا الصالحة،والرؤيا الخبيثة،والرؤيا التي يحدث بها المرء نفسه فيراها .وقد نبغ المسلمون الأوائل بالأحلام باعتباره علم مستقل،حتى أنهم سبقوا الغرب بالكثير،ومن أشهر من فسر الأحلام الإمام (محمد ابن سيرين) حتى أصبح اسمه مرادفا للأحلام ،وأيضا الأمام (النابلسي).
وأشهر من رأى رؤيا لدى العرب وتحققت هوالخليفة عمر ابن الخطاب حيث قال: رأيت كأنّ ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين، أو قال ثلاثة، وقصها على أسماء بنت عميس فقالت: يقتلك رجل من العجم المماليك،وبعد عشرين عاما تحققت الرؤيا ،عندما أتى(أبو لؤلؤه المجوسي)وطعن عمر ابن الخطاب ثلاث طعنات بخنجر مسموم في ظهره أثناء سجوده فى الصلاة ،وتوفى على آثرها بعد ثلاثة أيام.
وهذه القصه لها ارتباط وثيق بعالم الاحلام حيث كان هناك عروس في السابعة عشر من عمرها تدعى (لبنى) ، فتاة مسترسلة الشعر ،بيضاء الوجه ، عيناها عسليتين ،تزوجت من (عمر) ذلك الشاب الثرى الوسيم ذو الشعر الأشقر الناعم وعينيه الحادتين تفصحان عن شخصية قوية يناهز من العمر الخامسة والعشرين ،ومنذ اليوم الأول من زفافها،وهى تقوم فزعة من نومها العميق ... خائفة...هلعة ...تتسارع نبضات قلبها بشدة ،و لا تملك سوى أن تبكى في أحضان عريسها ،الذي يطمئنها ،ويمسح دموعها،وكان كابوسها ينذر بالشؤم ،ففي كل ليلة ترى نفسها ترتدي فستان زفافها الأبيض الجميل،ويقف على صدره عقرب اسود كبير، يقرصها بقوة ،كانت تشعر بالقلق الشديد ،فهى تخاف أن يأتى اليوم الذى يحدث فيه شىء سيء للغاية،فأخبرت زوجها وأهلها بالكابوس الفظبع، تحاول أن تعرف تفسيره وأن تلقى الدعم منهم ،والبعض يبرر حلمها بأنه مجرد أضغاث وحديث نفس،والبعض يفسره على أن العقرب عدو لدود يحاول النيل منها.
مر شهر واحد على زفافهما،وجلست هي وعريسها فى إحدى الأيام يتناولا طعام الإفطار فى منزلهم حيث كان الجو شديد البرودة، انتهوا من تناول الإفطار وهو يثنى عليها ويمطرها بكلمات الحب والتقدير،و بعد قليل طلب (عمر) فنجان من القهوة، ذهبت (لبنى)إلى المطبخ وهو قام واخذ يحلق ذقنه عند المغسلة،أعدت الزوجة فنجانين من القهوة الساخنة،ووضعتهما على المائدة،ثم ذهبت إليه،وقد كان قد انتهى من حلاقته ،ووضع عطر على وجنتيه،قبلته العروس على وجنته قبلة صغيرة،وهى تمدح نعومة بشرته ورائحته الزكية ،توجه (عمر) وتناول رشفة من فنجان قهوته ،وفجأة تذكر (عمر) أنه نسى أن يشغل التدفئة وبشكل عفوى طلب من (لبنى)أن تضغط على زر التدفئة المركزية فقد نسى أن يضغطه،وكان الزر موجود في مدخل السلم،وما أن ضغطت على الزر حتى صرخت صرخة مهولة ، انتفض (عمر) من مكانه وجرى نحو المدخل ،ليجد (لبنى) قد سقطت على الأرض ،والزبد يخرج من فمها ،وضع يده ليتأكد من النبض،فوجده ضعيفا ، جرى مسرعا واتصل بعائلته وطلب منهم ان يحضروا طبيب لفحص عروسته التي صعقتها الكهرباء ،لكن عروسته كانت قد لفظت أنفاسها قبل وصولهم تساقطت الدموع من عينيه ،يناديها باسمها ولا تتحرك ،يحتضنها بقوة ويقبل وجنتيها..لا يصدق أن محبوبته أصبحت جثة هامدة ،و عندما أتى الطبيب وفحصها أكد وفاتها.
وجاءت الشرطة للتأكد من أن الوفاة ليست فيها شبهه جنائية،كان الزوج يراقب كل شىء وهو منهارا،يبكى بشدة ونظراته تائهة،وكأنه طفل صغير ضائع،وتذكر كابوس عروسه المشئوم ،وكيف تحقق بهذه الصورة المؤلمة،لقد كانت قرصة العقرب فى حلمها المتكرر تعنى الموت المحتوم،وعندما أتى أهل الزوجة ،ساورهم الشك بعدما سمعوا رواية الزوج واتهموه بأنه قتل ابنتهم الوحيدة، ،وفى النهاية أثبت الطب الشرعي بأن سبب الوفاه صعقه كهربائية وأعلنت براءة الزوج المفجوع،وان الزوجة ماتت قضاء وقدر.
عاش الزوج بعدها حائرا فى سجن وحدته ،ولازالت (لبنى) فى أعماق روحه ،لقد كانت صورتها لا تفارق خياله،يتذكر مواقفها و كلامها وضحكاتها التى لا تزال ترن فى أذنه ، وتلك القبلة الأخيرة التى طبعتها على وجنته قبل أن يخطفها الموت.. ، لقد كانت (لبنى) سر سعادته وحبه الوحيد ،ولو كان الأمر بيده لوهبها حياته وفداها بروحه..
بقلم :فاطمة زكى
************
منقووووول